إسرائيل.. جيش يتصدع

إسرائیل.. جیش یتصدع

استطاعت "البروباغاندا" الذكية أن تصنع للجيش الإسرائيلي صورة أكبر من حقيقته.

هذا الجيش تمكن من تطوير أدواته وبنيته بشكل كبير خلال العقود الماضية على المستوى "السيبراني" والاستخباراتي، لكن عجزه الميداني لا يزال قائما لعدة أسباب.

فالصورة الحقيقة لهذا الجيش لا تبدو "ناصعة" بقدر الصورة الإعلامية. وهناك مجموعة من التطورات والتغيرات الميدانية، ساهمت في خلخلة بنية الجيش الإسرائيلي من الداخل، وأدت إلى حالة فلتان وضعف واحتقان، وهي ظواهر كارثية في واقع الحال، قد تنتهي بانهيار هذا الجيش، في أي حرب مقبلة. وربما الخوف من هذا الانهيار هو ما دفع قادة الاحتلال لتجنب أي مواجهة مباشرة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

الجيش وقانون القومية

أحدث التهديدات التي طالت بنية المؤسسة العسكرية، كان قانون "القومية" العنصري الذي أقره الكنيست مؤخرا.

شبكة 48 الإخبارية، استعرضت الارتدادات التي تركها القانون العنصري على بينة جيش الاحتلال، حيث يقول تقرير مصور بثته الشبكة مؤخرا أنه في أعقاب إقرار قانون القومية، يبدو أن الجيش الإسرائيلي بدأ يتصدع من الداخل، إذا أن القانون جعل أي شخص غير يهودي عبارة عن مواطن من الدرجة الثانية.

وقد أثار القانون موجة احتجاج داخل الجيش الإسرائيلي بدأت تتصاعد، خاصة بين الجنود من الطائفة الدرزية.

وقد اتىسعت رقعة الاحتجاجات داخ الجيش لتشمل عددا من متقاعدي الجيش الدروز من أصحاب الرتب العالية إضافة إلى ضباط كبار في شرطة الاحتلال. نحو 100 ضابط من الضباط الدروز في الجيش انضموا إلى هيئة خاصة لمكافحة القانون، وسط تزايد الدعوات لإلغاء التجنيد الإجباري لأبناء الطائفة الدرزية، وإعلان عدد من ضباط الطائفة استقالتهم من جيش الاحتلال، عقب تنكر الاحتلال لطائفتهم التي خدم عدد من أبنائها في جيشه.

وتورد الشبكة بعض التصريحات عن عسكريين إسرائيليين مثل عمير جمال الذي قال في أعقاب صدور القانون: "سأنسحب من الخدمة في الجيش بدولة تأخذ ولا تعطي، وأطالب قادة الطائفة الدرزية بدعوة الشباب لرفض التجنيد الإلزامي". بدوره شادي زيدان قال: "لقد منحث الدولة الهواء الذي أتنفسه، وعرضت حياتي للخطر، وفي النهاية أنا مواطن من درجة ثانية".

وقد أثار الوضع المتسجد قلقا كبيرا لقادة الاحتلال خوفا من انسحابات جماعية للدروز من الجيش أو حدوث تمرد درزي داخل الوحدات العسكرية.

لعنة "التمرد"

في بداية تأسيسه كجيش نظامي، بعد إعلان قيام الكيان الإسرائيلي، كان الانضباط والالتزام والتفاني في خدمة الجيش الإسرائيلي، من أبرز مقومات الجندي الإسرائيلي. لم يعد الحال كما كان عليه في السابق.

على سبيل المثال، منذ مدة غير طويلة، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً، قالت فيه إن الجيش قرر فصل (10) جنود من الوحدة الخاصة "إيجوز"، وذلك بسبب رفضهم التوقيع على تمديد فترة خدمتهم في الجيش لمدة سنة قادمة، ما دفع الاستخبارات لتحذير القيادة العسكرية من تفشي ظاهرة التمردات ولا سيّما أنها وصلت إلى الوحدة الخاصة الأكثر اهتماماً من قادة الجيش.

أزمة "ثقة"

أدت سلسلة الهزائم الميدانية والتكتيكية، خاصة منذ حرب تموز 2006 وبعدها حرب غزة 2009، إلى تهتك في "الثقة" بين الجنود الإسرائيليين وقادتهم العسكريين.

لم يعد للجندي الإسرائيلي الثقة بإمكانية قيادته على ردع أي هجوم محتمل. وبحسب التسريبات من داخل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فقد بدأت هذه الثقة تتزعزع بعد حرب تموز 2006 وبعدها حرب غزة، ومن نتائجهما "هروب الجنود الإسرائيليين من الخدمة العسكرية، والتحاقهم بأعمال ضمن القطاع الخاص، أو الهجرة من الكيان الصهيوني والعمل لدى شركات عالمية، حيث بلغت نسبة التسرب من الجيش (27%) خلال العام الماضي".

وبحسب تقارير صحفية إسرائيلية فإن نسبة التسرّب ترتفع بين الجنود والضباط العاملين في وحدات التكنولوجيا العسكرية خصوصاً وحدتي (8200) و (السايبر)، إذ إن الجندي يتدرّب ويكتسب خبرة لدى هذه الوحدات، ثم يتركها ويتوجّه للعمل في شركات مدنية خاصة.

انعدام العمق الاستراتيجي

كشفت آخر التقارير، والتي نشرت بعهضا صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية الاحترازية لم تشمل سوى تحصين 10 % فقط من بين 150 من مرافق البنية التحتية المُعرّضة لمخاطر عالية في حال اندلاع حرب على الجبهتين الشمالية والجنوبية، ما يكشف عن واحدة من أخطر نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي وهي أن الكيان الذي يدافع عنه جيش الاحتلال ليس لديه عمق استراتيجي.

أضف إلى ذلك، أن أكبر عرض للأراضي المحتلة في وسطها يُقدَّر بـ 17 كم، وعرضها في الشمال 7 كم، وعرضها في الجنوب 10 كم ، فلا خيار أمام الجبهة الداخلية في "إسرائيل" عند الضغط العسكري إلا الفرار منها بشكل كامل حيث لا يوجد (عمق استراتيجي) أو مكان آمن فيها خاصة بعد تعدّد الجبهات وتطوّر القُدرات والإمكانات العسكرية التي تمتلكها قوى المقاومة.

ويرى القادة الإسرائيليون أنه في حال اندلعت الحرب على الجبهة الشمالية أو الجنوبية، ستُطلق آلاف الصواريخ يومياً على "إسرائيل"، وتشير التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن أجهزة النظام الدفاعي مثل "القبّة الحديدية" وغيرها قد لا تكون كافية لتوفير حلّ كامل للجبهة الداخلية.

وفي هذا السياق، قال المُحلّل العسكري "رون بن يشاي"، إن التقدير في المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية يوضّح أن الإيرانيين مثلاً مع حلفائهم، غزّة وحزب الله وسوريا، يمكنهم التسبّب بوقوع خسائر وأضرار للجبهة الداخلية والعسكرية في "إسرائيل" بحجم أكبر مما كان يمكن أن يسببوه لنا قبل سنوات.

الانتحار والشذوذ الجنسي

قد يعتقد البعض أن هذا الأمر ليس له انعكاسات عسكرية مباشرة، لكن الواقع غير ذلك. فقد ارتفعت معدلات "الانتحار والشذوذ الجنسي" بشكل كبير بين أفراد الجيش الإسرائيلي، وسجّل العام الماضي أكبر نسبة انتحار لدى المجندين، حيث أقدم (16) جندياً على الانتحار خلال عملهم في القواعد العسكرية، وباستخدام الأسلحة الخاصة بالجيش.

أما بالنسبة للشذوذ فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي احتل المركز التاسع عالمياً، بين أكثر جيوش العالم في الشذوذ الجنسي وزواج المثليين.

فالانتحار والشذوذ الجنسي يعكسان تهلهل البنية النفسية لعناصر جيش الاحتلال، الأمر الذي يشكل في العلوم العسكرية أحد أهم عوامل صمود الجيش في الحروب. ومع هكذا تهلهل، يبدو الجيش الإسرائيلي غير قادر فعليا على خوض حرب طويلة تتطلب مواجهة مباشرة مع جنود عقائديين أشداء كما هي حال مجاهدي المقاومة في الشمال أو الجنوب.

ضعف الجبهة الداخلية

وبحسب التقارير "لعلّ أبرز خطر يعاني منه الإسرائيليون هو ضعف الجبهة الداخلية العسكرية والمدنية معاً، في ظل تنامي قوة المقاومة الفلسطينية واللبنانية واكتساب خبرة أكبر في مجال الحروب، فضلاً عن الصواريخ الدقيقة التي أصبحت تملكها والتي تهدد العمق الإسرائيلي العاجز عن منعها من الوصول إلى نقاط حساسة للجيش الإسرائيلي وما حدث مؤخراً على جبهة الجولان السوري المحتل يوحي لنا بالكثير، ويعطينا رسائل واضحة بأن "إسرائيل" اليوم أضعف من أي وقت مضى".

ختاما، وفي خلاصات التقارير العسكرية الإسرائيلية ذاتها عن الحروب الأخيرة، فقد وجد الجيش الإسرائيلي نفسه أمام معضلة كبيرة تتمثل في صعوبة إنهاء الحرب أو المواجهة مع الخصوم، لعدم وجود هدف سياسي واضح، وهذا ما أدى لإطالة أمد المعركة وتآكل تدريجي لنتائج الحرب. كما أكدت هذه التقارير أن الجيش اصطدم بحقيقة عدم قدرته على حشد دعم الجماهير  وتعزيز صورة الانتصار، حيث بات محور المقاومة يمتلك أدواتا لإظهار آرائه وقدراته التي واجه بها الجيش الإسرائيلي في مجال الإعلام ومجال الحرب الإلكترونية.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة