العراق وسط المنافسة الاقليمية.. الجزء الأول: السّعوديّة


العراق وسط المنافسة الاقلیمیة.. الجزء الأول: السّعودیّة

منذ سقوط صدّام حسين والنّظام البعثي في العراق خلال العام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة ضمن معادلات الشّرق الأوسط نقلته من بلد خصم إلى بلد صديق وشريك للجمهورية الإسلاميّة الإيرانية.

وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء – علي حيدري:ليس خافيًّا على احد أن المسؤولين العراقيين الّذين يتولون اليوم مسؤوليّات مختلفة في العراق هم في الأغلب من الشّخصيّات التي لديهم علاقات حسنة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على عكس ما كانت عليه الحالة زمن النظام السابق الذي حكم العراق، بحيث نشهد اليوم ارتفاعا ملحوظًا في نسبة الزيارات بين شعبيّ البلدين.

العلاقات بين طهران وبغداد كانت هي الأخرى التي حققت قفزة نوعيّة على مدى السّنوات الخمسة عشر الماضية في مختلف المجالات السياسية والثّقافيّة والاقتصادية، حيث أصبح من الجرأة بمكان القول أنّه لا يُمكن العثور على بلدين جارين يملكان روابط قوية وعلاقات متينة كما إيران والعراق.

وكان لظهور داعش، وما تبعه من تقديم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمختلف أنواع الدّعم للعراق من أجل مواجهة هذه الفتنة - في الوقت الذي كانت تلعب فيه العديد من الدّول دور المراقب أو حتّى كان البعض يقدم المال والسلاح للجماعات الإرهابية- الدّور في تعزيز هذه العلاقات التي أتت أُكلها بعد تخطّي العراق من هذه الأزمات بحيث نشهد اليوم نمو العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين البلدين.

يُمكن القول ان الزيارات المتبادلة لكبار مسؤولي البلدين والاتفاقات التي تم التّوقيع عليها خلال الأشهر المنصرمة، على الرّغم من الحظر الأمريكي الأحادي الجانب وغير القانوني، شكّلت أساسًا لتعزيز العلاقات في المجالات الصّناعية وزيادة حجم الصّادرات الهندسية والفنيّة الإيرانية إلى العراق.

وإلى ما سبق يُمكن إضافة الاتفاقات المصرفيّة بين البلدين التّي بلا شكّ تُعتبر عنصرًا أساسيًّا في مسار تعزيز العلاقات الإيرانية - العراقية.

ونظراً الى أن العراق وعلى مدى العقود الأربعة الماضية كان يعاني من الحرب والحظر والعزلة فإن مسار التنمية للعراق خلال هذه الفترة الزمنية كان متوقفاً تقريباً بالإضافة الى تآكل الكثير من البنى التّحتيّة المتواجدة داخل هذا البلد. لذلك فإن العراق وعلى الرّغم من امتلاكه لثروة نفطيّة ضخمة كان يعاني من الحرمان في إنماء بنيته التحتيّة وبعد التّخلص من داعش بدأ يُفكّر جدّيا في فتح باب الاستثمار في هذا المجال.

العديد من الدّول الإقليمية والدّولية دخلت على موجة الاستثمار في السّوق العراقي الخصب وبذلت جهودا كبيرة لكي تحقق مكاسب اقتصادية وسياسيّة على السّاحة العراقية.

إيران التي تمتلك حدودًا برية مع العراق على مدى أكثر من 1500 كيلومتر وبتقاربها الثّقافي والديني والتّاريخي مع العراق كانت الخيار الأفضل من أجل تأمين الكثير من حاجات هذا البلد. إلّا أن العديد من الدّول لم تجلس مكتوفة الأيدي وبذلت جهودًا كبيرة في هذا السّياق.

وفي هذه السلسلة من التقارير نشير إلى المنافسة الاقليمية بغية تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع العراق.

السّعودية

منذ التسعينات، وبعد شن صدّام حسين هجومه على الكويت دخلت العلاقات العراقية السّعودية مرحلة من التّوتّر بحيث انقطعت الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين.

المنافسة بين العراق والسّعودية من أجل تزعّم العالم العربي وكذلك ارتباط كل منهما بأحد قطبي العالم في فترة الحرب الباردة كان سببا ليكون البلدين ضمن حلبة المنافسة بين بعضهما البعض.

في العام 2015 وبعد حوالي 25 سنة، أعادت السّعودية افتتاح سفارتها في العراق لتخطو بذلك السّعوديّة أول خطوة باتجاه التّقارب مع بغداد.

الخطوة التي قابلتها بغداد بعد حوالي سنتين خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي إلى الرّياض لتكون أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.

وعلى الرّغم من التدخلات في الشؤون العراقية الدّاخلية التي كان يواظب عليها السّفير الأول للسّعودية في بغداد ثامر السبهان والتي أثارت استياء بغداد بحيث طالبت الخارجية العراقية آنذاك بعودته إلى بلاده، إلّا أن مسار التّعزيز التدريجي للعلاقات بين الطرفين لم يتوقف.

المسؤولون العراقيّون وبعد انتهاء الحرب مع داعش لحظوا حوالي 100 مليار دولار من أجل إعادة الاعمار ومن أجل توفير هذه المبالغ حولوا أنظارهم نحو جيرانهم الجنوبيين الأغنياء من ضمنهم السّعودية، الكويت، الإمارات وقطر وذلك بهدف الحصول على مساعدات إضافة إلى إقامة تنسيق مع هذه الدّول للحصول على امتيازات قد توفرها منظمة أوبك النّفطية.

يُمكن القول أيضا إن التّقارب العراقي مع هذه الدّول كان بهدف إغرائهم بعلاقات أعمق مع بغداد الجديدة وقطع دعم هذه الدّول لبعض المتطرفين الذين كانت لديهم نشاطات شمال وغرب العراق.

من جهة أخرى تبرز الرغبة السّعودية في التّقارب مع العراق وذلك بهدف إبعاد بغداد عن طهران ولا سيّما التّقارب الذي يبديه الطّرفين فيما خصّ ملفّات المنطقة. تحاول الرّياض عبر تعزيز علاقاتها مع العراق وزيادة استثماراتها في هذا البلد وخصوصًا في المناطق السّنية أن تُدخل العراق في المحور الذي تتزعمه في المنطقة.

في هذا المجال وخلال الفترة الزمنية المنصرمة، قطعت الرياض وبغداد خطوات إضافية على مسار تعزيز العلاقات مع البلدين ويمكن الإشارة إليها بالتّالي:

الزيارات السياسية خلال السنتين الماضيتين:

قام العديد من السؤولين العراقيين كحيدر العبادي، قاسم الأعرجي والسّيد مقتدى الصّدر بزيارات إلى السعودية حيث التقوا بالمسؤولين السّعوديين وأجروا معهم مباحثات ثنائية. وفي فترة الحكومة التي تلتها، قام الرّئيس العراقي برهم صالح، رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بزيارة إلى الرياض وطلبوا من الملك سلمان مساعدات من أجل إعادة إعمار العراق واستكمال مكافحة الإرهاب.

كما أعلن رئيس الوزراء العراقي الحالي عادل عبد المهدي أنّه سيزور السّعودية في القريب العاجل.

خلال زيارات المسؤولين العراقيين إلى السّعوديّة تم بحث مسألة الوساطة بين طهران والريّاض من قبل الطرفين حيث أبدى الطّرف السّعودي ترحيبه بالأمر.

في المقابل وخلال هذه السّنوات، قام وزير الخارجية السّعودي عادل الجبير وكذلك وزير شؤون الخليج الفارسي ثامر السّبهان وعدد آخر من الوزراء السّعوديين بزيارات إلى العراق وكان من المقرر التّنسيق لزيارة شخصيّة سعودية رفيعة المستوى الى العراق لكن لم يتم هذا الأمر حتى اليوم.

الإنجازات السياسية التي حققتها الرّياض خلال هذه السّنوات

لعل أهم الإنجازات التي حققتها الرّياض خلال هذه السّنوات كانت إعادة افتتاح السّفارة السّعودية في العرق، وكذلك الحصول على موافقة بغداد من أجل افتتاح ثلاثة قنصليات سعودية أخرى في بغداد، النجف والبصرة؛ وبالفعل فقد تم افتتاح القنصلية السّعودية في بغداد في حين تنتظر القنصليتان الاخريتان مراسم الافتتاح القريب في النجف والبصرة.

من الإنجازات الأخرى التي حققتها السّعودية هي إقامة معبر "عرعر" الحدودي بين البلدين والذي تكفلت السّعودية بكامل تكاليف إنشائه، وسيتم افتتاح هذا المعبر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة كما سيلعب دورًا كبيرًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وفي هذا السّياق أعلن السفير السّعودي في العراق عبد العزيز أن التّجار العراقيين بإمكانهم استخدام الموانئ السّعودية على البحر الأحمر فيما خص عمليات التّصدير والاستيراد كما أعلن أن معبر "عرعر" سيكون مفتوحا على مدى العام أمام حملات الحج والعمرة.

العلاقات الاقتصادية

خلال العامين المنصرمين، زار العراق العديد من الوزراء الاقتصاديين السّعوديين والزيارة الأخيرة ضمت أكبر وفد اقتصادي برئاسة وزير التجارة والاستثمار السّعودي وجاءت مباشرة بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق وكانت مخصصة من أجل إطلاق مجلس التعاون بين العراق والسّعودية.

كما بدأت شركة الطّيران السّعودية نشاطها في مجال نقل المسافرين والبضائع بين البلدين.

في العام المنصرم أعلن المسؤولون السّعوديون عن نيتهم بإنشاء "استاد رياضي" يتّسع لمئة ألف مشجع في بغداد، وهذا العام أعلن وزير التّجارة السّعودي أن الملك سلمان اتخذ قرارًا بإنشاء مجمع رياضي بتكلفة مليار دولار في العراق. إعلان وزير التجارة السّعودي لاقى ردودًا على أكثر من صعيد ففي حين رحّب البعض بهذا الإعلان، اعتبره آخرون أنّه وعد كوعد بناء الـ "استاد الرياضي" في بغداد الذي لم يتحقق.

كما أعلن رئيس غرفة التّجارة السّعودية أن صادرات البضائع السّعودية إلى العراق خلال العام 2018 قد بلغت 2.6 مليار دولار.

ما ذُكر يشير إلى الإرادة الجديّة السّعودية من اجل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع العراق، وهذا لا يبدو بأمر بعيد المنال خلال السنوات المُقبلة، وهنا لا بد من الإشارة الى أنّه وإضافة إلى نيّة الرّياض الجدّية لتعزيز العلاقات مع بغداد، يجب الأخذ بعين الاعتبار نظرة المسؤولين العراقيين إلى المنطقة والجهود التي يبذلونها من أجل إقامة علاقات إقليمية متوازنة.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة