كيف سيكتب المؤرخون زيارة ترامب للسعودية؟!

کیف سیکتب المؤرخون زیارة ترامب للسعودیة؟!

خاص\تسنيم: بعد اعوام من الان ستكون زيارة ترامب "التاريخية" للسعودية، صفحة في كتب التاريخ، فكيف سيتناول المؤرخون هذه الزيارة؟ وما الذي سيكتبونه عنها؟!

زيارة ترامب للسعودية كانت تاريخية من عدة جوانب، فترامب رجل الاستعراض الباحث عن الشهرة، أراد أن تكون أول زيارة خارجية له مفعمة بالإثارة وأن يظهر بمظهر الفاتح، ثم يعود الى الولايات المتحدة فيستقبل كملك منتصر، زيارة الحلفاء الأقوياء للولايات المتحدة لم تكن لتضمن لترامب الحصول على استقبال بـ 68 مليون دولار، أو توقيع عقود بقرابة نصف ترليون دولار، وهذا ما دفعه الى الشرق الأوسط، حيث له أتباع سيكونون سعداء بتقديم أي خدمة يرغب بها ترامب.

عادة ما تشهد القمم العربية مهازل كبيرة أو تخرج ببيانات ختامية ما أنزل الله بها من سلطان، ثم تتنصل منها دول وتعلن أخرى رفضها للبيان، او النقاط المهمة فيه، وقد لا تتفق الدول العربية حتى على مقدمة البيان، فالعرب سبق أن اتفقوا على أن لا يتفقوا، أما قمم الرياض فكانت من نوع آخر، ليس للعرب فيها من كلمة، بل كانت الكلمة لترامب أولا وآخرا، لذلك كان الاتفاق هو طأطأة الرؤوس.

بعد زيارة محمد بن سلمان لأمريكا، وتقديمه عهود الطاعة والولاء لترامب، حصل بن سلمان على موافقة ترامب لزيارة السعودية، ولا نعلم مدى الوعود التي قدمها بن سلمان لترامب خلال الزيارة، إلا أن عقود التسليح والخدمات العسكرية بقيمة 110 مليار دولار كانت من ضمنها، وهذا هو الشيء الأكيد.

رغم كل سلبيات ترامب وتناقضاته، إلا أن الرجل كان صادقا في استلاب المال السعودي، فهذا ما كان قد وعد به الشعب الأمريكي مسبقا، عندما أكد أن دول الخليج الفارسي يجب أن تدفع وكرر ذلك 5 مرات خلال 22 ثانية؛ وهذه نقطة تحتسب لترامب فقد أثبت الرجل صدق وعوده في تعرية دول الخليج الفارسي من المال الذي لا تملك سواه.

قمم الرياض التي لم تتطرق الى موضوع فلسطين أو المسجد الأقصى، فهذه شؤون لا تهم الدول العربية ولا الإسلامية، وركزت على الموضوع الإرهاب وفق النظرة الأمريكية، و ورأى ترامب أن «داعش والقاعدة وحزب الله وحركة حماس يُمثلون تهديداً إرهابياً للمنطقة»، مضيفاً أن «حماس وداعش وحزب الله أشكال مختلفة من الإرهاب، ليس فقط في عدد القتلى بل هناك أحلام أجيال تلاشت بسببهم»، ولم يحدد إن كانت هذه الاجيال من المسلمين أم من الصهاينة؟!

ويجب التوقف طويلا عند هذا التصنيف، فأغلب الدول الحاضرة تنظر الى حزب الله من منظار طائفي مقيت، ولا يسوؤها تصنيفه كمنظمة ارهابية ولو على حساب القضايا العربية والإسلامية التي دافع عنها الحزب بقوة وحزم وشرف على مدى عقود، أما داعش التي لم يقل ترامب كيف تأسست ومن أسسها، فهي منظمة ارهابية وهذا متفق عليه، وهنا تبقى حماس، المنظمة الفلسطينية السنية ويجب التوقف عندها، فكيف يعلن الرئيس الأمريكي من أرض الحرمين أن منظمة حماس المقاومة للكيان الصهيوني منظمة ارهابية؟! حماس التي أصبحت ضمن الأقلية القليلة الباقية التي تدافع عن القضية الفلسطينية، توصف بالإرهابية ولا يجرؤ أي من الحضور على الاعتراض.

التناقض الكبير في هذه القمة أن أمريكا التي تدعي أنها أكبر داعم لحقوق الإنسان وقعت عقودا بقيمة 110 مليار دولار لتسليح السعودية التي تعد على رأس قائمة منتهكي حقوق الإنسان، فيما تعلن أمريكا والسعودية وجوب التصدي لتنظيم داعش والقاعدة وتحثان على عزل إيران، فهل يستطيع المؤرخون أن يكتبوا ان أمريكا والسعودية قررتا مواجهة الارهاب من دون الإشارة الى دور أمريكا في بناء تنظيم القاعدة أو دور السعوديين في اصدار فتاوى مدفوعة الثمن لمساعدة تنظيم القاعدة على تجنيد المزيد من المقاتلين.

وهل يمكن للمؤرخين أن يتكلموا عن تنظيم داعش الارهابي من دون الإشارة الى أنهم الجيل الجديد لتنظيم القاعدة، أو ان يغضوا الطرف عن الفتاوى السعودية التي ساعدت داعش على الانتشار والتقدم والتوحش والتطرف؟

من ناحية أخرى، كيف سيكون للمؤرخ أن يشرح القضية الفلسطينية قائلا أن حماس منظمة ارهابية؟! هل أصبح الدفاع عن الأرض والعرض ارهابا؟ ام يمكنه ان يصف حماس بالحركة المقاومة ويغض الطرف عن تصريح ترامب في أرض الحرمين الشريفين وأمام الملك السعودي وعشرات قادة الدول العربية والإسلامية؟!

وأخيرا، سياسة عزل إيران هي ذات السياسة التي مارستها أمريكا منذ عام 1979، والتي كانت السعودية أداة أمريكا فيها على مر العقود الماضية، فما الجديد الذي قدمه ترامب للسعودية مقابل كل المال والذل السعودي أمامه.

إننا نعيش اليوم في عصر مليء بالتناقضات من دون أن يلفت إليها أحد لأننا نعيش اللحظة ونرى الصور الواحدة تلو الأخرى، ولكن الاجيال القادمة ستقرأ عن هذا العصر في كتب التاريخ، وستضحك كثيرا للتناقضات التي كانت القمم السعودية مثالا شاملا لها.

ياسر الخيرو

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة