هل الساحة السعودية حبلى بالاحتجاجات الاجتماعية؟

هل الساحة السعودیة حبلى بالاحتجاجات الاجتماعیة؟

تواجه السعودية في الوقت الحاضر تحديات اقتصادية كانخفاض عائدات العملة الصعبة وانتشار كورونا وانعدام عائدات الحج، الامر الذي استنتج منه خبراء الشأن السعودي أن هذه التحديات قد تمهد لتشديد الاستياء العام وبالتالي انطلاق الاحتجاجات الاجتماعية.

تأسست المملكة العربية السعودية عام 1932 على يد الملك عبدالعزيز. ومنذ اكتشاف النفط في هذا البلد والمعادلة المعروفة "الامن في مقابل النفط" تكرست بين السعودية وأميركا والتي ساهمت في صيانة العرش السعودي من حركات التمرد والاحتجاجات الشعبية الواسع. وبالطبع فقد وقع الكثير من الاحتجاجات والانتفاضات في هذا البلد، لكن التحالف بين الدين والسيف (الوهابية وآل سعود)، أدى الى وأد كل حركة احتجاجية في مهدها.

لكن بروز ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي أدى الى أن يواجه نظام آل سعود أجواء غير قابلة للسيطرة رغم كل الرقابة القسرية.. وبفعل الشبكات الاجتماعية طفت التحديات ونقاط ضعف السعودية على السطح، والتي كانت تسعى جاهدة لطمسها والتعتيم عليها طيلة 9 عقود، ليتضح عجز النظام السعودي أكثر فأكثر.

وعندما اعتلى الملك سلمان بن عبدالعزيز العرش في عام 2015، وصف الخبراء هذه المرحلة بأنها مرحلة آل سلمان في السعودية، ويعتبر محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الشخصية الأبرز فيها، والذي سعى ومن اجل التغلب على التحديات الموجودة وتمهيد الطريق لتوليه العرش، للقيام بسلسلة من الاصلاحات تحت عنوان "رؤية 2030"، الا ان اشعاله الحرب ضد اليمن وقتله جمال خاشقجي فضلا عن القمع الداخلي واعتقال الناشطين المدنيين ومعها حقوق المرأة المسلوبة وإلى جانب ذلك الحرب النفطية التي تمارسها الرياض، كل هذه الأمور حولت هذه الرؤية الى "سراب".

والآن تواجه السعودية تحديات اقتصادية عديدة، يرى الخبراء بأنها قد تمهد لتصاعد الاستياء العام وبالتالي وقوع الاحتجاجات الاجماعية. ومن أهم هذه التحديات ما يلي:

1. انخفاض عائدات العملة الصعبة

يشكل النفط 77 بالمائة من صادرات السعودية. لكن انتشار فايروس كورونا وبدء الحرب النفطية بين الرياض وموسكو، أدى الى انهيار أسعار النفط، وبلغت في فترات اقل من 20 دولارا للبرميل الواحد. وبلغ سعر البرميل الواحد في الوقت الحاضر (بتاريخ 27 حزيران/يونيو 2020) 37 دولارا، في حين ان الميزانية مبنية على اساس سعر 60 دولارا للبرميل الواحد، بينما اعلن صندوق  النقد الدولي ان هذا البلد بحاجة الى سعر 80 دولارا للبرميل الواحد ليحافظ على التوازن المالي لديه، وبناء عليه، فإن عائدات الصادرات السعودية خلال الاشهر الثلاث الاولى من العام الميلادي بلغت 197.84 مليار ريال (52.69 مليار دولار) بانخفاض نسبته 20.7 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2019.

وسيؤدي انخفاض عائدات العملة الصعبة الى اعتبار "رؤية السعودية 2030" فاشلة عمليا. فمن المقرر وفق هذه الرؤية تأسيس مدينة "نيوم" بتكلفة 500 مليار دولار لغاية عام 2025. فقد وصفت صحيفة "وول ستريت جورنال" مشروع "نيوم" بأنه مجرد سراب.

ولم ينجح "صندوق الاستثمار العام" في تحقيق اهداف هذه الرؤية. فقد كان مقررا ان يبلغ حجم هذا الصندوق ما بين 600 و700 مليار دولار، ليرقى الى اكثر من 2 تريليون دولار في عام 2030، ولكن العديد من استثماراته باءت بالفشل، إذ يبلغ حجم الصندوق في الوقت الحاضر 300 الى 400 مليار دولار.

ويرى العديد من الخبراء في عام 2020 والذي يعد عاما محوريا في رؤية بن سلمان لعام 2030، أن هذه الرؤية بحكم الميتة. والآن مع موجة انتشار كورونا وحرب الأسعار الغبية، فضحت أوهام بن سلمان.

وبالحقيقة اعتُبر عام 2020 هو أسوأ عام مالي في فترة حكم سلمان بن عبدالعزيز، الامر الذي أثار العديد من التحديات امام استمراره في الجلوس على العرش.

2. تنفيذ خطط التقشف

دفع انخفاض عائدات العملة الصعبة بسبب انتشار فايروس كورونا وحرب الاسعار وانقطاع عائدات الحج، بالسعودية الى الاعلان عن خطة التقشف للتعويض عن العجز في ميزانيتها. فإذا بقيت اسعار النفط في قناة 30 دولارا للبرميل الواحد، فسيصل عجز الميزانية السعودية في عام 2020 الى نسبة 22.1 بالمائة، اي ما يعادل قرابة 170 مليار دولار. وهذا يعني وقوع أزمة في السعودية.

حتى أن وزير المالية السعودي محمد الجدعان اعترف ان بلاده تواجه  أزمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، حيث أعلن أن الحكومة واجهت عجزا في الميزانية بحجم 9 مليارات دولار في الأشهر الثلاث الاولى من 2020.

وبادرت الحكومة السعودية الى وضع عدة خطط اقتصادية ومالية من اجل مواجهة التبعات السلبية لأزمة كورونا في العالم، ومن هذه الخطط السحب من احتياطي العملة الصعبة حيث سحبت في الخطوة الاولى 27 مليار دولار. ومن المتوقع ان يهبط هذا الاحتياطي الى 375 مليار دولار حتى نهاية عام 2021، بينما كان في نهاية 2019 قرابة 488 مليار دولار. كما خفضت السعودية من خططها التحفيزية التي كان الهدف منها ضمان انصياع المواطنين. وكذلك زيادة الضريبة على القيمة الفائضة من 5 الى 15 بالمائة. وأيضا خفض "بدل المعيشة" (يقدر بـ267 دولارا) الذي كان يمنح للموظفين لمواجهة غلاء الاسعار والخدمات بسبب ضرائب القيمة الفائضة، ويضاف الى ذلك رفع اسعار البنزين.

كل ذلك دعا وكالة موديز للتصنيف الائتماني الى ان تعدّل نظرتها المستقبلية للاقتصاد السعودي من "مستقرة" الى "سلبية"، وذلك بعد 3 أسابيع فقط من اعتماد السعودية خططها للتعويض عن العجز في الميزانية، لتتمكن من خفض اكثر من 13 مليار دولار من إنفاقها. فضلا عن غضها الطرف عن حجم الاستثمار في بعض المشاريع لتحقيق ذات الغرض.

3. التكاليف الباهظة لحرب اليمن

يمكن اعتبار العدوان السعودي على اليمن في مارس 2015، أكبر عامل في عجز الميزانية والتحديات الاقتصادية التي تواجه الرياض. فرغم مضي اكثر من 5 سنوات على هذا العدوان، فقد تمكنت "انصار الله" في اليمن من فرض نوع من "الرعب الاستراتيجي" خلال اربع عمليات نوعية عرفت بـ"توازن الردع". الا ان بن سلمان مازال مصرا على مواصلة الحرب رغم كل الخسائر المالية الفادحة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات كمتوسط التقديرات.

النتيجة

رغم ان النظرة الغالبة بشأن السعودية هي انه بسبب النسيج التقليدي وغلبة الخطاب الوهابي، لا يوجد احتمال وقوع ثورة او تمرد او احتجاجات شاملة في هذا البلد. ولعل هذا صحيح، ولكن في الآونة الاخيرة ظهرت بعض المتغيرات بما فيها الشبكات الاجتماعية والتي ادت الى ان يبحث المواطن السعودي عن الاخبار ليس فقط من الجهات الرسمية، ما ادى الى تغيير في النظرة لدى المجتمع السعودي، ولذلك شهدت بعض المناطق في السعودية احتجاجات غير مسبوقة تزامنا مع يسمى بالثورات العربية عام 2011.

وفضلا عن الشبكات الاجتماعية فإن تغيير نظرة المجتمع السعودي تعود لعدة أسباب بما فيها، مغامرات بن سلمان التي هوت بالقوة الناعمة للسعودية، وتكثيف وتيرة تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني.. لأن دعم السعودية لـ"صفقة القرن" كان نوعا من الخيانة للقضية الفلسطينية، الامر الذي سترفضه الشعوب العربية. يضاف الى هذه الاسباب انخفاض عائدات العملة الصعبة إثر الحرب على اليمن وحرب الاسعار وانتشار فايروس كورونا وقطع عائدات الحج والتي أدت الى اعتماد خطط للتقشف ضاعفت الضغوط على الطبقات الوسطى والضعيفة في المجتمع السعودي، والى جانب ذلك لابد من الاشارة الى القمع الواسع واعتقال الامراء المعارضين لبن سلمان، ورغم ان معتقلي "فندق ريتز كارلتون" الذين يقدر عددهم من 2000 الى 2500 شخص، قد أغلقت ملفاتهم لكنهم مازالوا ممنوعين من السفر، وهذا الامر أدى الى وصول المعارضة الى داخل "هرم السلطة" وحصول شقاقات بين القبائل المؤثرة في السعودية.

إن دراسة إمكانية الاحتجاج والعصيان المدني في السعودية لا تعني انها قد تحصل فورا، ولكن لا ينبغي ان ننسى ان الشعب السعودي قد تخطى رؤية "الرفاهية في مقابل الطاعة"  والآن يشهد نوعا من الإهانة الوطنية، لأن مغامرات بن سلمان ادت الى زعزعة مكانة السعودية دوليا، بحيث دخلت في حرب خلال السنوات الخمس الماضية مع جماعة باسم "انصار الله" في اليمن، والتي كبدتها أفدح الخسائر. هذه القضية الى جانب الضغوط الاقتصادية وقمع المعارضين، ادت الى ان لا يكون احتمال وقوع العصيان والاحتجاج في السعودية، بعيدا عن الأذهان.

/ انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة