خاص تسنيم / الدكتور خالد الملا: العلاقات الايرانية العراقية رسوخ الهوية وتطابق المصالح
مرت العلاقات الايرانية العربية عبر تاريخها الطويل بسلسلة من التحديات المعقدة التي تمليها الحاجة والظروف الجيوسياسية فهي بين مد التطابق وجزء التدافع وفقا لاشتراطات المرحلة وتغيرات الانظمة السياسية لكنها في المجمل كانت تحمل صفة هامة جدا وهي: الديمومة.
وأضاف الشيخ الدكتور خالد الملا رئيس جماعة علماء العراق في مقال خص به وكالة تسنيم الدولية للأنباء:
فالعلاقات العربية مع الجيران الغير عرب لم تكن يوما طيبة بل شابتها تضاريس شديدة الوعورة من التدافع الحضاري والتحديات في الانماط المختلفة وصولا الى التصادم الحضاري. لكن الامر مختلف مع الحضارتين الايرانية والعربية ومظهر الاختلاف الاول والابرز يعود الى ان هناك نسق شعبي سائد ويكاد يكون هو الفلتر الذي تمرر عبره النقاط الايجابية الجامعة بين الحضارتين.
في ذات الوقت تعمل تلك الفلاتر على عرقلة واذابة كل الحواجز المتعلقة باللغة او المذهب او الانماط السياسية الحاكمة للمشهد المتبادل بين الطرفين.
الشعوب العربية والايرانية لم تشهد في كل التاريخ اي تدافع حضاري او تنافر على عكس الشعوب العربية مع جيران اخرين كالاتراك مثلا او الجيران الاخرين للعرب في افريقيا. فالعلاقة مع الشعب الايراني متجذرة تجذر الاسلام وماقبله حين كانت المنطقة العربية بلا دولة وتحكمها دويلات متفرقة تحتكم الى اهواءها وميولها وامزجة حاكميها. حتى في تلك الفترة الصعبة كانت ايران تعد ملاذا امنا للعرب كمهاجرين وتجار وباحثين عن الثراء او هاربين من بطش السلطات.
في مختلف فصول التاريخ يمكنك ان تقرا ان الشعب الايراني كان على الدوام شعبا مضيافا ودودا هادئا منسجما ومرحبا بالقادمين من بلاد اخرى. بل ان التاريخ غير البعيد يحدثنا عن قصص وافكار وتراث وعمل وابداعات فنية وثقافية وعمرانية لعب فيها الجانبان العربي والايراني دورا متقابلا في نسج خيال مشترك وابداع انتاج حيوي ومعرفي واحد.
الامر لم يقف عند حدود العمل والرؤية المشتركة بل تعداه الى ماهو ابعد من ذلك الى ان ينتج كلا من الطرفين نتاجا معرفيا ينهل من حضارة تكاد تكون واحدة تقريبا.
العلاقات بين ايران والعرب والعراقيين بشكل اخص باعتبار الجغرافية ربطت بين الشعبين عبر مساحة طويلة من الحدود المشتركة الطويلة التي عبدت دروبها المصالح المشتركة وطرق القوافل والمعرفة ورسالة الاسلام والتاريخ الطويل من التصدى الى اعداء مشتركين، على الدوام كانت هي علاقة تكاملية مهمة.
فعلماء ايران حين يضيق بهم المقام يطلبون النجف وعلماء العراق يتوقون الى قم، ومبدعي وادباء العراق وشعراءه يجدون في الطبيعة الايرانية والنماء والسحر الوجداني الكثير مما يغنيهم. بل ان الكثير من الطرز المعمارية العراقية اليوم استمدت جذورها من الايرانية ناهيك عن عباقرة الادب واللغة والشعر والنحو والبلاغة والفقه والعقائد كلهم ايرانيون عاشوا في البلاد العربية مستفيدين من جذوة الاسلام وما وفره من خصب معرفي. لم يتحدث التاريخ عن اخرين الا بلسان القومية الا مع الايرانيين فيسميهم باسماء عربية ولا يمكنك ان تعرف هويتهم وقوميتهم الحقيقية لان الايرانيين يذوبون بالاسلام ويعشقون عقيدته وانتماءه.
العلاقة بين الطرفين علاقة متصالحة مع الذات وتكاملية وشاملة دامت كل القرون التي مضت وستدوم حتى لو حاولت السياسة الدولية ان توجد فجوات مفتعله تذوب سريعا وتنتهي وينكشف زيفها.
فما بين الشعبين حب دائم واواصر عصية على ان تنكسر.
/انتهى/
